.

.

ااخبار العالم الاسلامى

الخميس، 29 نوفمبر 2012

حرب ((المصطلحات)) الأهلية


___________________
"إِنّ هَـَؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يُلَبِّس فيها فرعون على الناس تصوراتهم من خلال رحلة طويلة من تحريف المصطلحات والتحريض الفكرى على موسى وقومه؛ فتارة يجعله كبيرا للسحرة علمهم السحر، وتارة أخرى يصمه بالجنون، وثالثة يتهمه بشق الصف الوطني ومحاولة إخراج الم
واطنين من بلدهم وهكذا يتوالى مسلسل ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد الذى كان يتقنه إمام الجحود و العناد.
طريقة معروفة هى، ومطردة على مدار التاريخ الإنسانى الطويل بتلبيس المصطلحات وتسميتها بغير أسمائها، ثم تكرارها حتى تتأصل وتتغير مدلولاتها في القلوب.
فعل المنافقون ذلك يوم الأحزاب حين قالوا:"إن بيوتنا عورة"، والعورة لفظ شرعي لا يستعمل في مثل هذا المقام، لكنهم جعلوه ذريعة للتخاذل؛ ومن ثمَّ القعود لستر تلك العورة المزعومة!
وفعلوها يوم تبوك حين قال بعضهم:"ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي"، فجعلوا مخافة الافتتان بنساء الروم حجة لترك الجهاد.
و فعلها كبيرهم حين سمى نفسه بالأعز و قال عن أعز الخلق و أكرمهم صلى الله عليه و سلم أنه الأذل و حاشا و كلا .

وهكذا في كل زمان ومكان.
في عصرنا مثلا سُمِّيت الخمور بالمشروبات الروحية، وأطلق على الابتذال والتعري فن وتحضر، وعُدت مقاومة المحتل لدى البعض إرهابا وعنفا،
وتعد تسمية الأشياء بغير اسمها مسوغًا يجعل المتلقي يقبلها، مستحسنًا إياها، غير معظمٍ لحرمتها؛ لما تضفيه عليها تلك المسميات اللطيفة من طابعٍ لين يهون من فظاعتها، أو يرفضها مستبشعًا إياها إن كانت من نوعية المسميات التشويهية.
اليوم نجد تلك الحرب الاصطلاحية على أشدها، ونستطيع أن تلحظ محاولات حثيثة ومفضوحة لتهجين المصطلحات، وتدليس التسميات، وتحريف المدلولات،
فما بين توصيف للاعتداء على الممتلكات الخاصة، وإحراقها على أنه عمل ثوري عظيم، وتسمية البلطجي المخرب الذي يعتدي على آمنين في مقر حزبهم وربما يقتلهم؛ بالمناضل الثائر، وتدجين الشخصيات الفلولية صاحبة التاريخ المخزى المعروف وذات العلاقة الحميمة بالنظام السابق ورأسه المخلوع و ذلك تمهيدًا لقبولها في نفوس الأتباع بسبب المصالح المشتركة.
وما بين تكرار ممنهج لمصطلح "الحرب الأهلية"حتى تهون على الألسنة وتصير مسلمة ممكنة الحدوث، رغم ندرتها أو انعدامها في التاريخ والطبيعة المصرية؛ تتبين حقيقة تلك الحرب الاصطلاحية شديدة الخطورة،
ولو تغاضينا عن ليِّ عنق الحقائق السابقة وتعاملنا معها من منطلق أن تلبيس المصطلحات وتغييرها أمر مطرد كما سبق وذكرت، ويكمن حله دائما في البيان والتوضيح والتعليم والتثقيف، فلا يمكننا أبدًا أن نتغاضى عن الأسلوب الثاني؛ وهو تهوين أمر الحرب الأهلية على النفس، والتعامل معها على أنها مآل لا مناص عنه ولا مهرب منه.
يحدث ذلك اليوم في الإعلام وتناوله لأحداث اقتحام مقرات الإخوان وإحراق محتوياتها، وهو الفعل الذي استنكره أكابر المختلفين مع جماعة الإخوان ومع قرارات الرئيس مرسى، ولا يمكن لعاقل إلا أن ينكره،
لكن الإنكار وحده لا يكفي، فكما قلت: كثرة التصريحات والأسئلة الإعلامية عن الحرب الأهلية وإجاباتها المائعة تعد -في رأيي-تحضيرًا ذهنيا لهذا السبيل النكد أخشى أن يكون مقصودًا.
إن الحرب الأهلية الشاملة تستلزم وطنا ذا طبيعة وديموغرافية تختلف تماما عن وطننا الذي يئن تحت وطأة تلك الافتراضات السقيمة،
فالحروب الأهلية تحدث بين أقوام غير متجانسين عرقيا أو مذهبيا في الأساس، أو في بلد تتعدد فيه القوى ذات الميلشيات المنظمة أو المسلحة، وليس هذا متوفرًا في مصر بفضل الله، رغم محاولات البعض لتعكير ذلك بتصوير المعارك الأيديولوجية النخبوية على أنها موجودة في الشارع بين المواطنين البسطاء الذين لا تعنيهم أكثر تلك التناطحات والصراعات،
في مصر بلا شك تنوع عقدي لكنه ليس جديدًا، واستطاعت بلادنا التعايش معه لقرون، وهو ليس بالحدة ولا بالنسبة التي تورث حربًا أهلية، وكذلك التنوع العرقي لا يكاد يذكر، أما الاختلاف السياسي وصراع المصالح الحزبية؛ فميدانه الرئيسى حلبات التطاحن الليلية في الفضائيات، ومتابعة جل المواطنين له من منطلق أن هذه هي البضاعة المعروضة، وحتى لو تأثر المواطن بصخب تلك المكلمات فإنه تأثرٌ لا يورث حملا للسلاح في وجه زميله في العمل أو صديقه الذي يجالسه ليلا على المقهى، ربما يتشاجران ويحتدان على بعضهما في مشادة سياسية تنتهي فور قيامهما عن مجلسهما متضاحكين ساخرين، وربما لاعنين لكلَّ تلك المعارك الفضائية التي "دوشت دماغيهما" وعكرت صفوهما.
نعم قد تحدث احتكاكات وربما مناوشات أو أعمال عنف محدودة لكن حرب أهلية شاملة؟!
أشك بل أستبعد.
سيتعارك أهل الفضائيات وشبكات التواصل كما يشاءون، وسيحرض المحرضون على نقل الصراع السياسى من الخلاف فى الرأى إلى التخريب والقتل والدخول فى دائرة الفوضى فهذا آخر ملاذ تبقى لهم، ولكن سيظل فعلهم واضحا للجميع، و فى النهاية لن يغادر مسماه، وسيذهب الزبد جفاءً، وسيمكث فى الأرض ما ينفع الناس.

د محمد على يوسف

no image
  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top custom blogger templates قواالب بلوجر