.

.

ااخبار العالم الاسلامى

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

أقسي من الحجارة


جثة ملقاة على قارعة الطريق !
هكذا بدأ هذا اليوم العصيب ،
و يا له من يوم ،
حين يكون فى مطلعه جريمة قتل ، هو بلا شك يوم غير عادى ،
تجمهر الناس حول الجثمان الذى رقد فى بركة من دمائه ، و بدأ الحضور يضربون أخماسا فى أسداس ،
تري من ارتكب هذه الجريمة؟!
الرجل لم تكن له عداءات مع أحد ،
فمجتمعهم الصغير و الظروف التى يمرون ، بها لا تحتمل مثل هذه الجرائم ،
لا يحتمل هذا المجتمع الضيق ، أن يجوب أرجاءه قاتل سفاك دماء ،
لابد أن يعرفوا فورا من القاتل ،
من أراق دماء ذلك التاجر الثرى !
هل هو سارق عادى ، أم أنها خصومة لا يعلمون عن أبعادها ؟
بدأت نظرات الشك تطل من العيون ، وانتقل تحديقها من الجثة ، إلى تحديق فى بعضها البعض ،
هل هو ابن أخيه و وريثه الوحيد ،
أم هو جاره الجشع المعروف بطمعه و حبه للمال ،
لعله صديقه و كاتم سره ، فهو من يعرف مكان ماله ،
ربما هذا أو ذاك أو هذه أو تلك ،
بدأت الهمهمات المتخافتة الحائرة ،
الشك يسرى بينهم كالنار فى الهشيم ،
لابد من حل سريع يقطع هذا الشك بيقين ،
الريبة تعصف بهم ، و الأمر يكاد يتطور إلى تراشق صريح ، و من ثم إلى فتنة لا قبل لهم بها ،
فلنذهب إليه ،
نعم هذا هو الحل الوحيد ،
إنه من يستضىء بنور الوحى الجلى ، و يسترشد بهدى الرب العلى ،
نذهب إليه و نرضى بحكمه ،
و لكن متى رضينا بحكمه ؟
متى أنصفناه و صرفنا عنه إيذاءنا ؟
متى أطعناه و لم نتمرد عليه ؟
هيا ، هيا يا رجال ، لا داعى للجدال ،
الرجل نبى ، و الأنبياء دأبهم الصبر ، و سبيلهم الحلم ، و خلقهم الأناة ، و لطالما صبر علينا ، و تحمل عصياننا و تمردنا ، و سيفعل هذه المرة أيضا ،
هذا هو الظن به ،
هيا دعونا لا نضيع وقتا ، و لنرسل إليه من يعلمه بما حدث ، لعله يدلنا على من قتل الرجل ، و ننتهى من هذا و الشك والجدال الذى يعصف بالقوم ، ويؤجج الفتن والجدال ، 
لم تمض دقائق إلا و قد ظهر فى الأفق هو وغلامه ،
ها هو قد أتى بمشيته الوقور، و سمته المهيب ، متوكئا على عصاه يتقدمه الغلام ،
لقد جاء كما هو الظن به ،
رغم كل ما فعلناه معه ، لم يتأخر،
هكذا الأنبياء ،
و أولئك هم المرسلون ،
لقد تناسى الإساءة الأخيرة ، و غض الطرف عن حقارة قولنا القريب ، حين قعدنا ، و قلنا اذهب أنت و ربك فقاتلا ،
حين خذلناه و لم ندخل الأرض التى كتب الله لنا ،
و ها نحن فى التيه ، و ها هو قد دنا أجله ، بينما يلتهب شوقه للأرض المقدسة ، دون أن يدخلها،
لكنه جاء ،
لقد قرر مساعدتنا،
" إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " ،
ماذا تقول ،
أجئنا بك لهذا ،
أتمزح معنا ،
أم تتخذنا هزوا ؟
تعالت تلك الصيحات المتأففة من بنى إسرائيل ، بعدما سمعوا عبارة موسى عليه السلام ،
يالجحودكم ،
بل يالوقاحتكم !
الرجل جاءكم و حكم بينكم ،
ليس بحكمه ، إنما بحكم ربكم ،
لقد قال إن الله يأمركم ، و لم يقل إنى آمرلكم ،
ألا تعقلون ؟!
إنه أمر الله ؛
ربكم ؛
مولاكم الذى أراكم آياته ،
هذه العصا التى فى يده ، أوليست خير شاهد على صدق محدثكم !
ألم تروا الآيات التى أجراها الله لكم بها ؟
ألم تروا عيون الماء العذب تتفجر من الأرض ، بعد ضربة منها ؟
ألم تشهدوا فلق البحر فرقين ، بضربة أخرى من ذات العصا؟
ألم تتأملوا عروقها اليابسة و هى تنبض بالحياة ، و تستحيل أمام أعينكم إلى ثعبان مبين ، يلقف ما يأفك عدوكم ؟
ثم بعد كل هذا تتهمون نبيكم بالاستهزاء بكم ،
بل بالكذب ،
إنها لفظكم يحمل فى طياته التكذيب ،
لقد قال : " إن الله يأمركم " ، فقلتم : " أتتخذنا هزوا " ،
و ما يكون هذا إن لم يكن تكذيبا بأمر نقله عن مولاه ؟
سحقا لكم ، و بئس ما قلتم ...
" أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " ؛
كان هذا هو رده عليهم ،
تعوذ بربه من تلك التهمة الشنيعة ،
تعوذ أن يكون ممن يقولون على الله ما لا يعلمون ،
من الذين يتخذون آياته و أوامره هزوا ،
و هذا أعظم الجهل بلا شك ،
جهل بمقام الله ، و استخفاف بحرماته حاشا و كلا أن يوصم به نبي مكلم ،
ربما لا يدرك أمثالكم ذلك ، و قد تعودتم التحريف ، و امتهنتم الكذب ، و استحللتم التدليس ،
هيا أيها الجاحدون المتنطعون ،
نفذوا أمر ربكم ، و كفوا عن التعنت مع نبيكم ،
اذبحوا بقرة ،
مجرد بقرة ،
" ادع لنا ربك يبين لنا ما هى " ،
عما تسألون أيها المجادلون ؟!!
لقد قال بقرة ، أفلا تفهمون ،
أم أنكم تستكبرون ؟!
إنها بقرة، مجرد بقرة ؛ أي بقرة،
و لماذا تقولون : ربك ؛ 
عجبت لحرفكم ،
أهو ربه وحده ؟
أوليس بربكم أيضا ؟!
أفلا تعتزون بالكلمة فتنسبونها و تنتسبون إليها !
لكنه دأبكم ، وديدنكم ، وخلقكم ،
إن كنتم تصرون على هذا التنطع و التقعر و التكلف ، فتحملوا إذن نتائجه ؛
" إنه يقول إنها بقرة لا فارض و لا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون " ،
هاهو يكرر أهم معايير الأمر ،
فاسمعوا ، و تأملوا ، و أزيحوا الوقر من على آذانكم ، و كسروا طبقات الران من فوق قلوبكم ، و افهموا هذه الكلمة التي تقرع مسامعكم 
" إنه يقول " ،
من ؟؟
إنه الله ؛ 
الله هو الذى يقول ،
هذا أمر منه فانتبهوا ،
لكن من يفهم ؟ و من يعي ؟
مرة أخرى تسمعونها :
" إنها بقرة " ؛
مجرد بقرة ،
لكن فليشتد الأمر عليكم ، ما دام هذا ما تريدونه بتكلفكم ،
إنها بقرة متوسطة السن ؛ ليست طاعنة مسنة ، و لا بكرا فتية ،
لم يزل الأمر سهلا ميسورا ،
البقر كثير، و الأعمار متنوعة ، فاختاروا أية بقرة ،
المهم أن تمتثلوا ؛
أن تستسلموا ،
أن تفعلوا ما تؤمرون ،
تبادل اليهود نظراتهم الخبيثة ، و بدأت الهمسات ، و الغمغمات من جديد ،

مالكم ؟
لماذا لا تهرعون للتنفيذ ؟
لماذا لم يتحرك أحد ؟
" أدع لنا ربك يبين لنا ما لونها " ،

يالسفاهتكم و تفاهتكم !
لو أراد أن يعين لونا لفعل من البداية ، فأي عنت هذا الذي توقعون أنفسكم فيه !
لماذا تصعبون الأمر على أنفسكم ؟
ما علاقة الأمر باللون أو الشكل أو الحجم ؟
هلا سألتم عن تاريخ حياتها، و عن أبويها و جدودها ؟!
هل سيكون بينكم و بينها نسبا و صهرا!
إنها بقرة ، يا قوم ،
مجرد بقـــــــرة ،
هيا تحركوا ،
ها قد جاء الأمر مرة أخرى ، و ضاق حيز الاختيار،

" إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين " ،
للمرة الثالثة يؤكد نبيكم ، أن الأمر ليس من عنده ،
" إنه يقول " ،
إنه هومن يأمركم ؛ من يوجهكم ،
و إنها لبقرة ،
لا بأس أن تكون صفراء ،
ما أكثر البقر الأصفر ، فهيا امتثلوا ، و أسلموا لله أمركم ،
إنها مجرد بقرة صفراء ،
لماذا لا تنفذون ، مالكم لا تتحركون ، ماذا تنتظرون ، وإلي متي فى مرائكم سوف تستمرون ؟
ماذا : 
" أدع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا و إنا إن شاء الله لمهتدون " ،
أوحقا تشابه عليكم ، أم أنه التمرد و العصيان ؟
أوحقا اختلط البقر على أنظاركم ، أم أن العجل قد أشرب فى قلوبكم ؟
فلتسمعوا من الإجابة ما يداوي بغيكم : 
" إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا " ،
إنها بقرة ،
لكنها هذه المرة ليست مجرد بقرة ،
شددتم على أنفسكم فشدد الله عليكم ، و تكلفتم فكُلفتم ، و تنطعتم فزيد عليكم إصر فوق إصر ،
هذه المرة لن تجدوا هذه الصفات فى أى بقرة ،
الآن مطلوب منكم أن تبحثوا عن بقرة لم تجر محراثا ، و لم تستعمل فى سقاية ، و لا تشوب صفرتها شعرة من لون مختلف ، و هى مع كل ذلك من كل عيب بريئة ،
فأين تجدون وصفها ، وأني لكم بمثلها ؟! 
بعد أن كان لديكم متسع في سائر الأبقار وعمومها ، يكفيكم اختيار أيها ، صرتم إلى بحث عن إبرة فى كومة قش ، جزاء وفاقا ، و لا يظلم ربك أحدا ،
- الآن جئت بالحق يا موسى ،
فقط الآن ، سبحان القاهر الديان !
إن سوء أدبكم ، و فحش قولكم مع أنبيائكم ، للتتحاكى عنه الأجيال، و ليبقين أبد الدهر مضربا للأمثال ،
بعد كل هذه الآيات البينات ، و المعجزات الباهرات ، التى أطلعكم عليها ربكم ، على يدى نبيكم ، تقولون مثل هذه الكلمات ، الآن !
تعالت أصوات القوم من بعيد ، و هم يتصايحون ، و قد وجدوا بغيتهم ، بعد بحث مضنٍ ، عن تلك البقرة النادرة ،
لقد دفعوا فيها ثمنا باهظا ، بعد أن علمت صاحبتها اليهودية حاجتهم لها ، فضاعفت لهم الثمن أضعافا مضاعفة ،
و ليتحملوا نتيجة مرائهم ، وعاقبة لجاجتهم ،

" فذبحوها و ما كادوا يفعلون " ، 
ما كادوا يفعلون !
لماذا ؟
ما معنى ذلكم الامتناع ؟
ماذا تمثل لكم تلك البقرة ؟!
أهو عجل السامرى قد أشربته قلوبكم فلم ينسف منها ، حين نسف فى اليم نسفا !
أم هو رمز شركى قديم ، قد التقطموه من الفراعين ، الذين طالما عاشرتموهم و عشتم بين أكنافهم ؛ فصح فيكم ما يقال من أن الناس علي دين ملوكهم !
أم أنكم تخشون من ظهور الحقيقة ، و معرفة المجرم ، و فى نفس كل منكم مجرم ، مستخف بجريمته ، يخشى أن تفضحه .... بقرة!
فما أفضحها من بقرة ! 
"و ما كادوا يفعلون " ،
ها هنا مربط الفرس ،
و مكمن المشكلة ، و موطن الداء ،
إن الخلل الحقيقى إنما هو فى مدي إسلامهم لله جل و علا ،
فى مستوي استسلامهم لأمره ، و امتثالهم لمراده ،
"و ما كادوا يفعلون " ،
هى جمله جامعة مانعة ، تعبر عن مجمل خصالهم ، و مختصر نعوتهم ،
الحقيقة الجلية أنهم يرفضون حكم الله عليهم ، و يجدون حرجا فى صدورهم من سلطانه ، وضعفا في اليقين بموعوده ، فهم للأسف قوم متمردون ،
عن أمر ربهم ناشزون ،
شعارهم سمعنا و عصينا ،
الفسق ديدنهم ، و الجدال و المراء و الشبهة دأبهم ،
فماذا ينتظر منهم ؟!
ها هى المعجزة تتحقق أمامهم كالعادة ،
معجزة إحياء الموتى ،
ها هم يضربون الجثمان المضرج فى دمائه ، ببعض من تلك البقرة ، و ها هى الروح تدب فى الجسد المسجى على الأرض ، و ها هو القتيل يقوم للحظات ، يشير فيها إلى قاتله ، و يفضح من سفك دمه ، ثم يسلم الروح مرة أخرى ،
لكن ماذا تفعل تلك المعجزة الباهرة مع مثل هؤلاء ؟!
إنهم قوم ألفوا المعجزات ، و اعتادوا الآيات ، حتى لم تعد تحرك فيهم ساكنا، و لم تعد تستجلب من أفواههم و لو حتى تسبيحة بحمد ربهم ،
و ماذا عساها تفعل تلك المعجزات و الآيات ، مع قلوب قاسية قدت من حجارة ؟!
بل و أيم الله للحجارة أهون و ألين ، فإن منها ما ما يتفجر منه الأنهار، و منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، و منها لما يهبط خاشعا متصدعا من خشية الله ،
أما هذه القلوب ؛ فهى بلاشك شك أقسى ، و أشد غلظة ،
قلوب يقال لحامليها : قولوا حطة ليغفر لهم من تلك الخطايا ، فتدفعهم ليبدلوا قولا غير الذى قيل لهم ، و يقولوا : حنطة ، مستهزئين مستكبرين ،
إن قلوبا تدفع حامليها ليقولوا لنبيهم ، بعد أن عبر بهم قعر بحر متلاطم الأمواج : اجعل لنا إلاها كما لهم آلهة ، لهى قلوب أحري بأن تقول لها الصخور : ما أشد قسوتك!
فقلوب يُهدى أصحابها لسبيل مغفرة بكلمة ، فتغرى أصحابها ليبدلوا قولا غير الذى قيل لهم ، لهى حقا قلوب مجخية شائهة ملعونة ، 
وقلوب يرفع من فوق رءوس أصحابها جبل الطور ، و يؤخذ عليهم الميثاق فى ظل هذا المشهد المهيب ، فيكون أول ما توسوس لهم به بعد ذلك أن قولوا سمعنا و عصينا ، لهى حقا قلوب شيطانية ،
قلوب منكوسة ، متمردة ، فما أضل حالها ، و ما أبشع مآلها !
إنها بحق ؛ قلوب : أقسي من الحجارة .


no image
  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Top custom blogger templates قواالب بلوجر